ناظم القدسي / سياسي قدير
الحلقة السابعة
عبدالباسط البيك
عقب إنتخاب الدكتور ناظم القدسي رئيسا لسورية من طرف مجلس النواب عام 1961 زاره في القصر الجمهوري وفود من كل أنحاء سورية للمباركة له بهذ المنصب و كان من جملة الوفود وفد من أكراد سورية يقودهم الوجيه النائب السيد شاهين مصطفى شاهين { البرازي } الذي يمثل مدينة عين العرب مع عدد من آغوات الأكراد و رؤوساء العشائر الكردية . و كان ثمة علاقة صداقة و مودة تربط الدكتور القدسي بالنائب شاهين . رحب الرئيس بالوفد الكردي الموقر فتقدم السيد شاهين مصطفى شاهين بطلب بإسمه و إسم الوفد الحاضر معه للرئيس القدسي حين عرض مشكلة وجود مئة و خمسون ألف مواطن كردي يعيشون على الأراضي السورية و لا يحملون جنسية البلد الذي ولدوا و عاشوا على أرضه . كان الدكتور القدسي صريحا في الرد على هذا الطلب فأبدى تعاطفه معه و لكن قال للوفد أنه إن منح هؤلاء الأكراد الجنسية فإن البعثيين القوميين إضافة للناصريين سوف يثيرون مشاكل كبيرة في هذا الوقت الحرج من عمر حكومة الإنفصال و أن إعلامهم و على رأسه جريدتي الرأي العام و بردى سوف يحركون الشارع ضده و أن أكرم الحوراني و صلاح البيطار على وجه الخصوص سوف يثيران الخلاف بين الحكومة و الأحزاب ذات الجذور القومية و سيتهمونه بأنه إشترى أصوات الأكراد الإنتخابيه بمنح هؤلاء للجنسية السورية و إتفق مع الوفد على أن يقوم بتشكيل لجنة تضم قضاة من وزارة العدل و موظفين ساميين من وزارة الداخلية تذهب اللجنة إلى المناطق التي يسكنها هؤلاء الذين لا يتوفرون على جنسية سورية لدراسة الملف بشكل عملي . قال لي الدكتور القدسي أنه إختار أعضاء من أكثر الموظفين نزاهة في الدولة و كان يتمنى من قلبه أن يكون تقرير اللجنة سندا قانونيا له لمنح هؤلاء الأكراد الجنسية السورية . تحركت اللجنة للبحث الميداني في المنطقة و إجتمعت مع مخاتير القرى و شيوخ العشائر العربية الكردية لمعرفة أصول هؤلاء الذين لا يحملون الجنسية السورية . بعد البحث الميداني و التمحيص الدقيق تبين للجنة أن أصول هؤلاء تنتمي لأكراد قدموا من العراق عقب ثورة الملا مصطقى البرزاني على العهد الملكي و أن عشائر كردية هربت لعند أبناء عمومتهم في الجانب السوري . و قسم آخر من هؤلاء الأكراد جاؤوا من الحدود السورية التركية بعدما تعرضوا لإضطهاد عرقي من طرف الحكومة التركية . وضع التقرير الدكتور القدسي في حرج شديد مع صديقه النائب شاهين و الوفد الكردي فلم يتوفر على سند قانوني يرتكز عليه لتلبية مطالب الوفد الكردي . قال لي الدكتور القدسي كان يتمنى أن يكون التقرير عكس ذلك فهو من أنصار منح الجنسية لكل من يسكن على الأراضي السورية لأنه متأثر بالمدرسة الأنكلو ساكسونية في مجال القانون و لكن ما كان بيد حيلة . كان لذلك الموقف أثرا سلبيا عى نفسية الأكراد في المنطقة الشمالية الشرقبة الذين كانوا يشعرون أصلا بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية و يفتقرون إلى حقوق المواطنة الكاملة و مناطقهم تفتقر إلى أبسط الخدمات فإستغل هذه الظروف تيارات سياسية مختلفة من الأكراد و تشكلت أحزاب كردية تتراوح مطالبها بين المطالبة بالحصول على المساواة في الحقوق مع بقية المواطنين السوريين إلى قام بعضهم بالمطالبة بالإنفصال عن سورية و تشكيل دولة كردية تضم أكراد العراق و تركيا و إيران و طفت الأزمة الكردية على سطح السياسة السورية بوضوح . و أشير إلى أن سياسة حزب البعث تجاه الأكراد كانت عنصرية و إستفزازية إلى أقصى الحدود مما دفع الشباب الكردي إلى الإنضمام للأحزاب السياسية بمختلف مواقفها و رؤيتها للإرتباط مع الوطن . و قد شاهدت و سمعت عددا من الأحداث و القصص تعرض لها مواطنون أكراد يحملون الجنسية اسورية إلى إضطهاد من طرف السلطات السورية و لا أريد أن أطيل بذكرها لكن لو حصلت معي شخصيا لسارعت بالإنضمام إلى الأحزاب الكردية التي تطالب بالإنفصال . إن للأكراد حقوقا يجب أن ينالوها ليس منة من أحد عليهم و لا هبة لهم بل هي حقوق أصيلة لا يجوز السكوت عنها أو منعها عنهم . و لهم الحق في الحصول على مناصب بكل مؤسسسات الدولة من دون إستثناء كما لهم الحق بفتح المدارس و المستشفايات في مناطقهم و يجب تمكينهم من إستخدام لغتهم الأم و كل هذه الحقوق يجب منحها لهم في ظل السيادة السورية التي يجب أن تحترم حقوقهم و ترعى مصالحهم من دون تميز و لا عنصرية بغيضة ضدهم . و عسى العهد الجديد في سورية الحرة أن يتفهم مطالب الإكراد المحقة و أن يتعاطى معها إيجابيا لتكون سورية لكل السوريين فلا إقصاء لأي فئة من نسيج هذا المجتمع المتعدد العقائد و الأصول ..رحل الدكتور ناظم القدسي عن الدنيا عام 1998 بعما ن و دفن هناك بعيدا عن مدينة حلب فقد منع المقبور حافظ دفن أي سياسي من العهد القديم إلا إذا كتب رسالة إذلال و تزلف له و لحكمه . رفض سياسيو ذلك العهد أن يقدموا رسالة الإذلال و دفن معظمهم خارج الوطن . رحم الله الدكتور ناظم القدسي الرجل الطيب الدمث الأخلاق و المتواضع تواضع العلماء . الرجل النظيف اليد و صاحب السيرة العطرة و مازالت ذكراه يتداولها السوريون مترحمين على رجال تلك الأيام من السياسيين الذي خدموا الوطن بحسن نية و إخلاص قبل الإبتلاء بحكم حزب البعث الفاسد الذين حاول نظام البعث الفاشل و الأسد الحاقد طمس تاريخهم و إزالتهم من ذاكرة الشعب السوري لكنه فشل و الآن الشعب السوري يترحم على أؤلئك الرجال من أهل العلم و الساسة متذكرا أيم الحرية و الكرامة و الديمقراطية التي شملت كل أطياف المجتمع السوري . و إلى اللقاء مع سلسلة أخرى قريبا إن شاء الله …عبدالباسط
ملاحظة..وفد حلب مباركا للدكتور ناظم القدسي انتخابه رئيسا . و الصورة الثانية هي الصورة الرسمية لسيادة الرئيس.